يرى الكاتب محمد المصري أن صعوبة المبالغة في توصيف أهمية انتخابات مجلس النواب الجارية في مصر تعود إلى أنها لا تحدد فقط شكل البرلمان المقبل، بل تحسم أيضاً مصير استمرار حكم عبد الفتاح السيسي ومدته. وتأتي هذه الانتخابات وسط أزمة اقتصادية خانقة وتزايد الإحباط الشعبي، ما يرفع سقف الرهان السياسي لرئيس يسعى إلى تأمين بقائه على المدى الطويل. وصل السيسي إلى السلطة عقب انقلاب عسكري عام 2013، وسرعان ما رسّخ قبضته وأسّس إطاراً سياسياً فائق السلطوية.
وتوضح الجزيرة أن الاستفتاء الدستوري عام 2019 لعب دوراً محورياً في تعزيز صلاحيات السيسي وتمديد ولايته التي كان يفترض أن تنتهي في 2022. وتظهر الوقائع أن النظام أغلق آلاف المواقع المنتقدة للتعديلات، واعتقل ناشطين دعوا إلى التصويت بالرفض، ومارس ضغوطاً ووسائل ترهيب وشراء أصوات وتشويه سمعة لضمان النتيجة المرغوبة، ما قاد إلى فوز كاسح بصوت “نعم” وأبقى السيسي في الحكم حتى 2030. وتشير المعطيات الراهنة إلى مساعٍ جديدة لتمديد إضافي قد يتجاوز هذا التاريخ.
هندسة البرلمان على مقاس السلطة
يفرض مجلس النواب ثقله مقارنة بمجلس الشيوخ ذي الدور الاستشاري. وتؤول إليه مسؤوليات التشريع والموافقة على تعديلات الدستور. غير أن آلية التشكيل لا تعكس عملية انتخاب ديمقراطية حقيقية. يعيّن الرئيس 28 عضواً مباشرة، بينما يجري إعداد بقية المقاعد بعناية لضمان استمرار الوضع القائم. تنقسم المقاعد إلى فردية وقائمة؛ وتخضع المقاعد الفردية لسطوة المال والنفوذ وشبكات الدولة، فيما تعمل القوائم وفق نظام القائمة المطلقة المغلقة، حيث تفوز القائمة التي تتجاوز 50% بكل مقاعد الدائرة، ولا يسمح إلا للقوائم المعتمدة بالمنافسة، ما يحول المنافسة إلى سباق شكلي.
وتكشف التحقيقات أن الوصول إلى “القائمة الوطنية لمصر” الموالية للسيسي يستلزم مبالغ ضخمة، فيما حصرَت الهيئة الوطنية للانتخابات السباق عملياً في قائمة واحدة بعد استبعاد بقية القوائم. وهكذا هندست القواعد لضمان نتيجة محسومة قبل فتح الصناديق.
غياب التشويق ونتيجة محسومة سلفاً
يُظهر تاريخ الانتخابات والاستفتاءات منذ 2014 نمطاً ثابتاً من إقصاء المنافسين المحتملين، وترهيب المعارضين، والتلاعب بإجراءات التصويت، والتضييق الإعلامي لتكريس الهيمنة. وخلال الجولة الأولى في 10 و11 نوفمبر، ظهرت مخالفات موثقة شملت شراء أصوات ودعاية غير قانونية وممارسات ملتوية، وانتشرت مقاطع محرجة تعرض حوافز للتصويت، ما اضطر السلطات إلى إلغاء وإعادة بعض الدوائر الفردية. واستمرت التجاوزات في الجولة الثانية يومي 25 و26 نوفمبر رغم ادعاءات باتخاذ تدابير وقائية.
وروجت وسائل الإعلام الموالية لرواية رسمية عن التنظيم والالتزام وارتفاع المشاركة، بينما عرضت منصات التواصل مشاهد فوضى وإقبال ضعيف. وعلى الرغم من إعلان النتائج لاحقاً، يغيب عنصر المفاجأة، إذ يتوقع المراقبون هيمنة تحالف السيسي على المجلس كما يهيمن على الشيوخ، وتشير المؤشرات الأولية إلى أداء قوي للقائمة المدعومة.
شراء الوقت ومفارقة القبضة الحديدية
أعاد السيسي صياغة دليل السلطوية في مصر الحديثة عبر عنف دولة واسع واعتقالات جماعية وحظر أحزاب ومعاقبة الإعلام وتشريعات قاسية تتجاوز قمع من سبقوه. ويغذي هذا النظام مخاوف شخصية من المساءلة، ما يجعل التخلي عن السلطة خياراً غير قابل للتصور حتى في انتقال شكلي. وتزداد المخاطر مع بروز خصوم داخل منظومة الحكم نفسها.
يتوقع أن يخرج السيسي منتصراً مع نهاية هذه الانتخابات وأن يحظى بولاية إضافية لست سنوات على الأقل، ما يمنحه مزيداً من الوقت. لكن ذلك لا يعالج جذور السخط المتنامي المرتبط باقتصاد متعثر ونظام الرجل الواحد. ويذكّر هذا المزيج بما شهدته السنوات الأخيرة من حكم حسني مبارك حين ظن السيطرة راسخة.
تكشف التجربة مفارقة سياسية متكررة: يشدد القادة قبضتهم كلما اقتربت لحظة فقدان السيطرة. ومع تراكم الإحباط وتدهور الأوضاع، يلوح سيناريو انتفاضة شعبية جديدة أو قرار داخلي يضحي بالرئيس كما حدث في 2011. وبين القبضة الحديدية والهشاشة البنيوية، يظل المشهد مفتوحاً على تحولات قد تبدو بعيدة لكنها تقترب ببطء محسوب.
https://www.aljazeera.com/opinions/2025/11/27/egypts-all-important-parliamentary-elections-arent-elections-at-all

